الحلم الجميل
لا مناص من الضغوط المختلفة المتناثرة حولي بمقر عملي وبين جدران بيتي ، والتي تلاحقني صباح مساء .
وكلما في وسعي ، هو أن أحاول التقليل من تأثيراتها ، بغض الطرف ، وإغماض العين تارة ، والانشغال عنها ببدائل ... تارات أخرى .
وغالبا ما كانت تتبلور الضغوط في شكل
عوامل محفزة تدفعني للمزيد من الانضباط والمثابرة في العمل ، وتستحثني
لبذل المزيد من الجهد لمضاعفة مداخلي المادية المتواضعة .
ومما زاد الطين بلة - كما يقال - أني
منذ مطلع السنة الجارية أخذت أنساق مع طروحات والدتي ، فأخذت أفكر في فتح
بيت مستقل عن الأسرة ، والبحث عن زوجة ...
لنكون أسرتنا الصغيرة ... فطفقت مطاردا من طرف مطالب الإيجار و اللباس والتجهيزات والمهر والهدايا والولائم .
وغدت لدي طموحات وتطلعات لا طاقة لي بها . فتجاوزت الضغوط حد احتمالي لها وانقلبت حياتي إلى جحيم ، وكأني داخل تنور متقد متأجج .
ضاق ذرعي . نفذ صبري . فلذت بالفرار من واقعي . وفضلت الانزواء والخلوة والنوم .
فاعتدت منذ مدة ان أتسلل كل مساء باكرا إلى فراشي ،
بعد أداء واجباتي ، أطمح إلى قضاء ليل هادئ ، بعيدا عن وعتاء تقلبات
اللحظات صباح مساء .وآوي إلى مهدي في غفلة من شواغلي ومشاكلي .
أستسلم للنوم العميق بمجرد إطباقي بدراعي على وسادتي،
عندها أستقبل زائري الذي يحملني برفق وهدوء ، ويحط بي بين خمائل غدير جاث
على سفوح شواهق لا تحد الرؤية قمتها ، أمام شلال متدفق يصب من عل سبائك
مائية تخترقها أشعة الشمس فتبعث ومضات البلور بألوان الزمرد الخالص .
تتطاير من جنباته حبات رذاذ منعش ، تسهم في إخماد
لهيب متأجج بداخلي .وتغمرني سحبه اللطيفة الهادئة فتسري عبر شرايين جسمي ،
وتمنحني طاقات متجددة تحيل الحياة إلى مزيج من الهناء واللذة والمتعة
والصفاء .
أجد في منامي خلال التحليق بأجنحة الأمل في سماء
أحلامي العذبة الممتعة ، فرصة للعب من عطرالفضاء الطاهر، ومرتعا للمتعة
النفسية المأمولة .
أتزين بريش الزاجل لأحلق بخفة ورشاقة في كل اتجاه
بأمان ، وأستعير أجنحة البراق لأخطو خلف قيود المكان ، وأعبر إلى ما بعد
حواجزالزمان .
أجوب عبرالعوالم ، أتفقد كائناتها ، وأقف مبهورا إزاء أسرارها .
أتجاوز معاناتي اليومية بالعمل والبيت ، وأنسى كوني أنتمي لهذا الواقع المكتض بالحاجات والمطالب ، والعالم المتقلب المائج .
وأصبح كل يوم بعد رحلتي أكثر صفاء وأعظم نشاطا وحيوية .
أترقب كل ليلة عودته لأتزود بالطاقة اللازمة لمواجهة مستجدات وحاجات الغد الغامض ومنغصاته .
قبيل رحلة الشتاء أرغمتني ظروف عملي على السفر بعيدا ...
تغيرت عترتي وفقدت عزلتي ، فتخلف ضيفي وتوارى .
ملأ المكان أزيز العواصف اللافحة ليل نهار .
وعمها وهج محرق لا يبقي ولا يدر .
انتهت مهماتي ...
ورغم عودتي ...
وتعدد مرات وفترات ترقبي ...
فلا أثر لزائري ...
انشغل فكري .
تناسلت وتعددت التساؤلات العابرة بمخيلتي .
لم أهتد لسبب أرضي به فضولي .
انتظرت فطال انتظاري .
بقيت فريدا ، أعزل ضائعا ، وجها لوجه مع مصائري .
الليلة ...
أوشك الهزيع الأخير أن ينصرم .
الأرق باستمرار سيد الميدان بغرفتي ،
يأوي إلى مرقدي ويحظر تذوق طعم النوم .
ألوك بعض المقاطع الشعرية القابعة بمخزون ذاكرتي ،
أردد فقرات من النثر الموزون
حفظتها السنون إبان أيام دراستي .
كل لساني ،
تحجرت مقلتي .
طفق الألم يسري عبر العديد من مفاصلي .
شلت حواسي .
فأخذتني غفوة
خلالهااقتحمت أمي مخبئي .
وصاحت غاضبة :
انهض قبل أن يضيع عليك القطار الذي ينقلك إلى مقر عملك في الوقت المناسب